الإعتداء الجسدي

ما هو الاعتداء الجسدي؟

يشير الاعتداء أو سوء المعاملة الجسدية عامةً إلى الأذى الجسدي الذي يلحق بالطفل على يد أحد والديه أو ذويه.  وهو لا ينجم بالضرورة عن رغبة متعمدة في إلحاق الأذى بالطفل ، بل إنه في معظم الحالات ناتج عن أساليب تربوية قاسية أو عقوبة بدنية صارمة أدّت إلى إلحاق ضرر مادي بالطفل أو كادت. وكثيرا ما يرافق الاعتداء الجسدي على الطفل أشكال أخرى من سوء المعاملة. ومن الأمثلة المؤسفة والشائعة على ذلك ضرب أحد الوالدين لطفله بقبضة اليد أو بأداة ما في الوقت الذي ينهال عليه بسيل من الإهانات والشتائم. وفي هذه الحالة، يعتبر الطفل ضحية اعتداء جسدي وعاطفي في آن واحد.

ويشمل الاعتداء البدني على الطفل الرضوض والكسور والجروح والخدوش والقطع والعض وأية إصابة بدنية أخرى. ويعتبر اعتداءً كذلك كل عنف يمارسه أحد والدي الطفل أو ذويه إذا تسبب في أذى جسدي للطفل. ويشمل ذلك ضربه بأداة أو بقبضة اليد واللطم والحرق والسفع والتسميم والخنق والإغراق والرفس والخض. فكل هذه الممارسات وإن لم تسفر عن جروح أو كسور بدنية ظاهرة ولكنها تعتبر اعتداء بحد ذاتها.

بداية الصفحة

المشكلة ومدى شيوعها:

إن الاعتداء الجسدي مشكلة متفشية في مختلف أنحاء العالم. وهي ليست ظاهرة تقتصر على فئة معينة من السكان دون غيرهم. فالأسر على مختلف انتماءاتها العرقية وأوساطها الاجتماعية تنخرط في مثل هذه الممارسات الانتهاكية ضد الأطفال، كما أن الأطفال على مختلف أعمارهم وبغض النظر عن جنسهم يتعرضون لأصناف الاعتداء الجسدي.

بيد أن بعض العوامل الاجتماعية والديموغرافية تلعب دورا في ازدياد خطر ممارسة العنف الجسدي ضد الأطفال. ومن تلك العوامل: الأسرة الفاقدة لأحد الوالدين وتدني مستوى المعيشة. فالأب أو الأم الذي يربي طفله وحيدا قد يشعر بالعزلة وتتزايد عليه ضغوط التربية ويفتقر إلى السند والنموذج المناسب لاتخاذ الخيارات التربوية الصحيحة البعيدة عن العنف. ولعل مما يفسر ميل رب الأسرة في هذه الحالة لاستخدام أساليب تربوية أكثر قسوة هو اقتران حالته بضعف دخل الأسرة وتضاعف المسؤولية.

وبشكل عام، تبرهن الدراسات التي أجريت حول دوافع الاعتداء الجسدي، أن أية ظروف معيشية تفاقم الضغوط على الأسرة أو عائلها أو تصعب التفاعل بين الطفل ووالده قد ترفع بالتالي احتمالات تعرض طفل هذه الأسرة للعنف الجسدي. وتشمل هذه الظروف الأطفال ذوي المشاكل الصحية أو بطيئي النمو، الأطفال غير المرغوبين والأطفال كثيري الحركة والأطفال الذين يعاني ذووهم من ضغوط معيشية أو يتوقعون من أطفالهم إنجازات غير واقعية أو سلوك لا يتناسب مع سنهم.

بداية الصفحة

تحديد المشكلة والإفادة بها:

من الأهمية بمكان التذكر بأن سوء معاملة الطفل تستبطن السرية والخصوصية وتتغذى بالتغافل والإهمال. والخطوة الأولى لمنع ومعالجة الاعتداء الجسدي على الطفل هو التعرف على وجوده. فالأطفال قد يفشون تعرضهم للعنف الجسدي إلى مدرسيهم أو أطبائهم أو أصدقاء العائلة أو أصدقائهم الشخصيين. وقد يأخذ الإفشاء شكلاً غير مباشر كقول الطفل "لدي صديق يضربه أبوه ويؤلمه". فالكثير من الأطفال يواجهون صعوبة في مناقشة المسألة بوضوح وانطلاق مع الآخرين. وقد يشعرون بالخوف لأن الكثير من المعتدين يهددون الطفل لإلزامه بالصمت وعدم مناقشة "المسائل العائلية" خارج المنزل.

والاعتداء الجسدي هو أكثر أشكال الاعتداء أو سوء المعاملة افتضاحا لأن مؤشراته الظاهرة تدل عليه. والخطوة الأولى في القضاء على مشكلة الاعتداء الجسدي على الأطفال هو الاعتراف بوجودها. والخطوة التالية هي تعلّم كيفية التعرف على مؤشراتها وأعراضها لتحديد ما إذا كان الطفل يتعرض للإعتداء بالفعل. وهناك العديد من العوامل التي ينبغي وضعها بعين الإعتبار عند التفكير باحتمالية تعرض طفل ما لاعتداء جسدي وأول هذه العوامل: مكان وطبيعة وعمق أو مستوى الإصابة الظاهرة على الطفل وهل تطابق الوصف السبب الذي يقال انه ادى الى هذه الاصابة ام لا. وهل توجد علاقة بين عمر الطفل أو مرحلة نموه وبين الإصابة؟ فمثلا الحروق على شكل قاعدة مكواة أو مشواة أو سيجارة من الصعب ان يكون الطفل قد ألحقها بنفسه خاصة اذا ما كانت في منطقة يصعب وصوله إليها . وكذلك آثار العض أو خدوش الأظافر الذي تترك آثارا طولية متوازية وغيرها من الجروح أو الخدوش التي تدّل على استخدام أداة ما. ومن آثار الاعتداء الأخرى التي قد تظهر على الطفل سن مفقودة أو مكسورة أو مهزوزة أو بقع صلعاء في الرأس قد تدل على شد الشعر ونزعه أو آثار خدوش أو جروح في طريقها للاندمال.

بداية الصفحة

المؤشرات السلوكية:

انطلاقا من عمر الطفل ونضجه ومرحلة نموه، يمكن أن يمثّل السلوك مؤشرا هاما على الحالة التي يمر بها وما يتعرض له. فيما يلي بعض المؤشرات السلوكية التي قد تدّل على تعرض الطفل لاعتداء جسدي:

  • يتلافي ملامسة الكبار او انه ودود بشكل مفرط معهم (غير قادر على تمييز الحدود الاجتماعية مع الاخرين).

  • يثور و ينزعج بسهولة او لديه صبر كبير غير معتاد في التحمل.

  • يبدي خوفا من الآباء أو الكبار بشكل عام.

  • يكره أو يخشى العودة إلى المنزل أو يبدي خنوعاً مفرطاً للسلطة (سلطة المدرس مثلا).

  • يبلل فراشه ليلا.

  • خجول، انطوائي وغير متفاعل او ذو حركة شديدة غير طبيعية، عدواني و فوضوي.

  • لا يبدي اي مشاعر او تعابير عندما يؤذى.

  • يعتقد انه سيئ ويستحق العقاب.

  • يعطي تبريرات غير منطقية عن علامات وكدمات على جسده.

  • يتغيب أو يتأخر عن المدرسة بشكل متواصل بدون تقديم عذر أو تبرير مقنع من والديه.

  • يرتدي ملابس طويلة الأكمام في غير وقتها أو ذات عنق طويل مسدود رغم دفء الجو لإخفاء آثار الجروح أو الخدوش.

  • يبدو وكأنه معتاد على إلحاق الأذى بنفسه بسبب "شقاوته" او يمشي بصورة غير طبيعية.

 من الضروري الانتباه لهذه المؤشرات وعدم تجاهلها أو اعتبارها سطحية أو عابرة، خصوصا إذا تزامن عدد منها معاً. وقد تختلف المؤشرات السلوكية لدى الأطفال الأكبر سناً بعض الشيء عن الأطفال الصغار. فهم أميل للسلوك "الهروبي" شأن الفرار من المنزل أو الانخراط في نشاطات إجرامية أو ممارسات تدمير الذات كالتدخين أو تعاطي الكحول أو المخدرات

بداية الصفحة

التدخل:

تختلف أسباب ممارسة الاعتداء الجسدي بين أسرة وأخرى. ولذلك فإن التدخل الفعال لحل هذه المعضلة يجب أن يستهدف المشاكل والنواقص الخاصة بكل أسرة على حدة والتي تدفعها لمثل هذا السلوك التدميري ضد أطفالها. فالعجز عن السيطرة على مشاعر الغضب والتعبير عنها بشكل صحيح هو أحد أمثلة العوامل التي تدفع الكثير من الآباء للاعتداء على أطفالهم جسديا. ولذلك فإن برنامجا تدريبيا للسيطرة على الغضب والمواقف المثيرة له قد يكون حلاً مفيداً لمثل هؤلاء الآباء. وتتضمن أهداف السيطرة على الغضب تقليل حدته وانعكاسه الخارجي أثناء المواقف المثيرة للانفعال وتحسين قدرة الوالدين على التكيف مع مشاعر الغضب وتقليص فرص انعكاس الانفعال في ردود فعل خارجية عنيفة. ومن الآليات التي يمكن استخدامها لتحقيق هذه الأهداف تدريب الوالدين على استخدام أساليب الاسترخاء ومساعدتهم على تحسس مستوى غضبهم قبل خروج انفعالاتهم عن نطاق السيطرة وتمرينهم على استحضار أفكار كفيلة بالمحافظة على هدوء أعصابهم في أكثر المواقف حرجا.

 

ومن العوامل الأخرى المرتبطة بالاعتداء الجسدي العزلة الاجتماعية، والتي يمكن معالجتها عبر التثقيف. وقد ينجرّ الوالدان إلى الاعتداء الجسدي بسبب جهلهما بأساليب التربية الفعالة أو الصحيحة. وليس أنفع لمثل هؤلاء الآباء من إكسابهم المهارات النافعة كحسن الاستماع والاتصال الصريح وأساليب التربية غير العنيفة وبرامج الثواب والعقاب الإيجابية وجميعها لها دور هام في تقليص احتمالات لجوء الوالدين إلى أساليب الاعتداء الجسدي المجحفة. وينبغي للعلاجات القائمة على تنمية الشخصية والمهارات التربوية أن تتيح الفرص أمام الوالدين للتعرف على نماذج وأساليب تربوية مغايرة لما ألفوها وإدماج تمرينات حياتية واقعية تسمح لهم بممارسة ما يتعلمونه في وسط آمن. كما يجب أن يتيح العلاج للوالدين تلقي تقييما نزيها ونصوحا لسلوكهم التربوي من قبل خبراء مهنيين.

 

وأخيرا، هناك بعض الظروف التي قد تؤثر على قدرة الوالدين على التعامل التربوي الصحيح مع أطفالهم والتي تتجاوز عوامل الجهل أو فقدان السيطرة على الانفعالات. وتشمل هذه الظروف الضغوط الخارجية كالمصاعب المادية والمشاكل الزوجية أو الأمراض العقلية المتقدمة كفصام الشخصية والاكتئاب الحاد أو المشاكل الناجمة عن تعاطي المواد الضارة كالكحول والمخدرات. وعندما تقترن هذه الظروف بمشكلة الاعتداء الجسدي على الأطفال فإن الحلول التي يمكن طرحها تتفاوت بشكل واسع حسب مصدر المشكلة، ومن هذه الحلول إرشاد الأسرة إلى مصحات العلاج النفسي أو استشاريي العلاقات الزوجية والمشاكل العائلية وغيرها.

 

بيد أن التدخل العلاجي عند تبين حالات الاعتداء الجسدي لا يعني فقط مساعدة المعتدين ومعالجتهم بل يتضمن بشكل خاص معالجة الآثار العاطفية والسلوكية العميقة التي خلفها الاعتداء لدى الأطفال الضحايا. وذلك يشمل إكساب الأطفال مهارة السيطرة على القلق وتثقيفهم نفسيا حول العنف العائلي وأسبابه وعلاجه. ومن الحلول المفيدة أيضا برامج الرعاية النفسية القائمة على اللعب حيث تتيح للطفل فرصة التعبير عن مشاعره والتخلص من آلامه التي ربما تلعب دور هام في حالة القلق والاكتئاب التي يعيشها أو المشاكل السلوكية التي يعاني منها.

فالأطفال الذين تعرضوا للاعتداء الجسدي بحاجة للمساعدة على التنفيس الصحيح عن مشاعر الغضب والسخط التي تعتريهم. ومن وسائل ذلك تعليمهم فنون الاسترخاء ودمجهم في تمارين تمثيلية تفاعلية وتوجيههم للتعرف على مؤشرات الغضب مبكرا قبل أن تطفو انعكاساتها السلبية.

أما الأطفال الذين يعانون صعوبة في تكوين علاقات اجتماعية مع أقرانهم أو مع الكبار فقد ينفع إدماجهم في برامج لتنمية مهاراتهم الاجتماعية وتعليمهم كيفية التفاعل الإيجابي مع الأطفال الآخرين والتغلب على المشاكل والمواقف الاجتماعية السلبية.

ومن الحلول الأخرى النافعة للأطفال الذين يعانون من مثل هذه المشاكل دمجهم مع أطفال يتمتعون بمهارات اجتماعية قوية لجذبهم إلى المشاركة في نشاطات مسلية إيجابية بغية أن يتعلم منهم الأطفال المنكمشون اجتماعيا كيفية إقامة العلاقات والتفاعل الإيجابي مع الأقران. ومع أن معظم هذه الحلول يجب أن يضطلع بها المشرفون الصحيون والاجتماعيون عادة إلا أن المدرسين أيضا يمكنهم الإسهام بفعالية في حل مشاكل الأطفال الاكاديمية والسلوكية الناشئة عن الاعتداء الجسدي.

بداية الصفحة

أساليب الوقاية:

هناك عدة خطوات وقائية للإسهام في تقليل احتمالات الاعتداء الجسدي على الأطفال كماً وكيفاً. وأول هذه الخطوات الوقائية هي المعرفة. ويقع الاكتشاف المبكر لأعراض الاعتداء الجسدي على عاتق المدرسين ومشرفي دور الرعاية والمستشفيات وكافة المؤسسات التي تقدم الخدمات للأطفال والأسر. ولذلك ينبغي تثقيف العاملين في هذه المؤسسات حول كيفية التعرف على أعراض وآثار الاعتداء الجسدي، فضلاً عن تثقيف قطاعات المجتمع خاصة التي تتزايد فيها مخاطر اللجوء إلى العنف الجسدي مع الأطفال. وتشمل عملية التوعية والتثقيف الأساليب غير المباشرة كالحملات الإعلامية المكرسة لبث المعلومات حول نمو الأطفال و المهارات التربوية.

ومن جهود الوقاية الضرورية أيضا إنشاء خطوط مباشرة لإسناد الآباء والأمهات الذين يمرون بأوقات عصيبة تزيد احتمالات اعتدائهم جسديا على أطفالهم. .

ومن أمثلة البرامج الوقائية المباشرة توفير الدعم المباشر للأسر المعرّضة لتجارب العنف الجسدي ومنها الأسر ذات المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي المتدني والأسر الفاقدة لأحد الوالدين أو الوالدان قليلو الخبرة أو المنعزلون اجتماعيا أو المتعاطون للكحول أو المخدرات. ولأن محنة الاعتداء تنتقل من جيل إلى آخر، فمن الضروري استيعاب أن الأطفال الذين تعرضوا للاعتداء الجسدي في صغرهم أقرب للتحوّل إلى معتدين في كبرهم. وهو أمر طبيعي أن الأطفال الذين لم يتلقوا يوما الحنان والدعم الذي يحتاجون من أبوتهم لن يسهل عليهم توفيره لأطفالهم، ففاقد الشيء لا يعطيه. ومن هذا المنطلق يتعين بالضرورة أن تمتد الإجراءات الوقائية والعلاجية إلى الأطفال المعتدى عليهم حتى لا يكبروا ليصبحوا أبوة معتدين.