لاشك أن معرفة الوالدين بأن ثمة من يشاكس طفلهما ويضايقه هو أمر مزعج ومحبط. ومن الطبيعي جدا أن يثير لديهما مشاعر الغضب والاضطراب والذنب.

ولأن بعض الأطفال يجيدون إخفاء مشاعرهم فإن الفرصة لا تسنح لذويهم للإطلاع على المشكلة إلا حين يبدي الطفل فجأة تذمره وعدم رغبته في الذهاب إلى المدرسة أو عندما يتظاهر بالمرض ويحاول بكل الطرق تحاشي الذهاب إلى المدرسة.

ومن المؤشرات الأخرى لتعرض الطفل للمضايقات في المدرسة هو العودة إلى المنزل بجروح أو رضوض أو ملابس ممزقة أو طلبه شراء بعض الأدوات التي سرقت منه والخصام مع أصدقائه. وربما يلاحظ أن الطفل أصبح مزاجيا أو عصبيا أو منسحبا أو انطوائيا. وقد يتصرف الطفل الأصغر سنا بعدوانية مع أخوته في المنزل.

وبأية حال من الأحوال، فإذا أخبرك طفلك أنه يتعرض للمضايقات في المدرسة فهناك احتمال كبير ان يكون الأمر كذلك بالفعل، مهما قالت المدرسة بهذا الشأن. ولا يخفى أن المدرسة تقوم مقام الأسرة أثناء تواجد الطفل فيها ولذلك فمن واجبها رعاية التلاميذ وحمايتهم وضمان سلامتهم.

ولكن أسوأ تصرف تفعله في هذه الحالة هو الاندفاع إلى المدرسة بغضب وانفعال مطالبا باستجابة فورية لما يجري. فرد فعل الطرف المقابل في هذه الحالة عادة يتمثل في العدوانية المضادة والرفض وقد يصل إلى تعقيدات لا تخدم القضية.

فكّر بدلا من ذلك في مقابلة مدرّس الطفل واشرح له مخاوفك بطريقة ودية وبدون عصبية. اسأل المدرس أو مربي الفصل ما إذا كان قد لاحظ أي سلوك غير طبيعي في الصف واطلب منه الانتباه للوضع. اسأله عن أفضل اسلوب يقترحه لحل المشكلة. ومن المجدي في هذه المرحلة توسيع دائرة أصدقاء الطفل وذلك بدعوة عدد من الأطفال الجيدين إلى المنزل بشكل منتظم ومحاولة عقد صداقات أوثق بينهم.

إذا استمرت المضايقات رغم ذلك كله، احتفظ بمذكرات حول كل ما يخبرك الطفل بهذا الشأن ثم اكتب مذكرة للمدرس أو مربي الفصل تشرح له فيها أن المشكلة لم تحل بعد وإنك ترغب في إضافة رسالتك إلى ملف الطفل مرفقة بمذكرة عن الإجراءات التي أخذتها المدرسة لمعالجة الوضع. ويمكنك أن تطلب الإشراف على أي احتكاك بين طفلك وزميله المشاكس والحد من أي اتصال بينهما وربما حتى نقل المشاكس إلى طاولة أو مجموعة أخرى.

ويكون هذا الحل ناجحا في معظم الحالات، ولكن إذا لم ينجح فمن المفيد كتابة كل ما يتعرض له طفلك وتوثيقه بأدلة من مذكراتك لدعم شكواك. وعليك أن تستفسر من مربي الفصل عن الاحتياطات التي أخذها لحماية طفلك والإجراءات التي سيتخذها في المستقبل.

وإذا كان الطفل يتعرض للمضايقة خارج الصف مثلا في ممرات المدرسة أو ساحة اللعب، فاطلب من المدرسة زيادة الإشراف والمراقبة خارج الصف. وإذا تعذر المدير بعدم توفر الموارد الكافية لذلك، فاشرح له أنك لا تطلب مراقبة جميع تلاميذ المدرسة وإنما الطفل المشاكس فقط لضمان عدم إيذائه الأطفال الآخرين.

أما إذا بلغت حالة الطفل الانغماس في الاحباط أو الاكتئاب بسبب كثرة المضايقات التي يتعرض لها فلا تتردد في عرضه على طبيب الأطفال النفساني لمساعدته في التغلب على حالته. ومن المفيد أيضا تأييد شكواك برسالة من الطبيب النفساني للمدرسة يؤكد فيها خطورة الوضع الذي يتعرض له الطفل. اطلب من مدير المدرسة التعامل مع شكواك خطيا وإرفاق نسخة من الإجراءات المتخذة لمعالجة الوضع في ملف الطفل.

ولحسن الحظ أن معظم المدارس تتعامل مع مسألة الأطفال المشاكسين بجدية وتطبق سياسات وقوانين خاصة لمواجهتها. اطلب من المدرسة نسخة من هذه القوانين إذا وجدت. وإذا ادّعت المدرسة أن طفلك هو الذي يحرض الآخرين على مشاكسته فلا ترض بذلك،لأن حتى الطفل الضعيف أو المحرض لا ينبغي أن يكون عرضة للتنكيل والمشاكسات في المدرسة.

إذا طلبت منك المدرسة الحضور لمناقشة المشكلة، خذ معك زوجك او صديقك. سجل النقاط التي تريد التحدث عنها مسبقا وكن حازما ومهذبا في الآن ذاته. بعد كل لقاء مع المدرسة، أرسل رسالة خطية تسجل الخطوط العريضة للاجتماع والإجراءات التي تعتزم المدرسة تنفيذها حسبما دار في النقاش. اطلب من مدير المدرسة الاطلاع على القوانين التأديبية المطبقة بشأن الأطفال المشاكسين وكيفية تطبيقها، مثلاً: الاتصال بالوالدين أو اي لوائح تأديبية اخرى.

إذا لم تحلّ المشكلة رغم كل هذه الإجراءات فأفضل ما تفعله هو توجيه رسالة شكوى رسمية لمجلس رئاسة المدرسة إذا وجد (في حالة المدارس الخاصة مثلا) أو لوزير التربية والتعليم شارحا فيها ملابسات الوضع ومرفقا نسخة من أية رسائل تبادلتها مع المدرسة ومطالبا بتحقيق فوري في المسألة.  

اسع لمعرفة ما إذا كان الطفل أو الأطفال المشاكسون يضايقون أطفالا آخرين غير طفلك، بسؤال طفلك أو مربي الفصل أو المدرسة أو والدي أصدقاء طفلك مثلا. إذا كان الأمر كذلك، فحاول الاتصال بأبوتهم ومناقشة المشكلة معهم وإطلاعهم على تفاصيلها إذا كانوا يجهلونها والتعرف على الإجراءات التي اتخذوها لحل المشكلة. حاول تنظيم لقاءات أو اجتماعات بينكم للاتفاق على الإجراءات التي ينبغي أخذها لحل المشكلة وللتضامن في تقديم شكوى مشتركة والضغط على المدرسة لحل الوضع وربما للاتصال بأبوة الأطفال المشاكسين والاجتماع معهم وشرح خطورة المسألة لهم ومحاولة التوصل إلى حلول يطبقونها مع أطفالهم.

 

السلوك المشاكس

للمشاكسة أشكال عديدة منها: الجسدية والعاطفية واللفظية أو التي تجمع أكثر من نوع معا. وقد تمثل طفلا واحد يشاكس آخر أو مجموعة أطفال يشاكسون طفلا واحدا أو مجموعة أطفال تشاكس مجموعة أخرى (على غرار العصابة أو الشلة). وهي تشبه بقية أنواع الاستضعاف والاعتداء التي تشترك معها في العناصر التالية:

  • اختلال ميزان القوى

  • تفاوت الانفعالات حيث يكون الضحية في موقف الضعيف المحبط والمشاكس في موقف المتسلط هادئ الأعصاب

  • إلقاء اللوم على الضحية فيما جرى

  • استخفاف المشاكس بشعور الضحية وخوفه

  • انعدام الشفقة والرأفة

والأطفال المشاكسون هم أنفسهم أطفال تعرضوا للمشاكسة أو الاعتداء. وهم أحيانا أطفال يعيشون تجارب حياتية قاسية ليس بوسعهم التكيف معها مما ينعكس على سلوكهم ويفقدهم السيطرة على أنفسهم. وربما كانوا يفتقرون إلى المهارات الاجتماعية والذين يشعرون بالفشل في كسب عواطف أسرهم أو مدرسيهم. ولذلك فإن الطفل المشاكس حتى يتغلب على شعوره الداخلي بالنقص والعجز يسعى للتسلط على أطفال آخرين لكي يداوي نقصه الداخلي ويشعر نفسه بالنجاح والسلطة.

من هم الضحايا؟

ليس كل الأطفال عرضة للوقوع ضحية سلوك المشاكسة والاستضعاف. ولكن أكثرهم عرضة لذلك هم الذين يتصفون بالصفات التالية:

  •  نقص الثقة بالنفس

  •  الشعور بعدم الأمان

  •  الافتقار إلى المهارات الاجتماعية

  •  الحساسية المفرطة والتأثر من أدنى الأمور

  •  عدم القدرة على الدفاع عن أنفسهم

 

والحقيقة أن بعض الأطفال يعرضون أنفسهم لمشاكسة الآخرين بسلوكهم. ومن ذلك إثارتهم وتحريضهم للمشاكسين بالسخرية والتغامز مثلا وعدم التوقف عن ذلك في الوقت المناسب أو القدرة على الدفاع عن أنفسهم عندما يستلزم الأمر.

أما الأطفال الذين لا يتعرضون لمشاكسة الآخرين بسهولة فهم عادة يتمتعون بمهارات اجتماعية افضل وقدرة على التعامل مع الأزمات وإدارة النزاعات. فهم يدافعون عن أنفسهم ويحمون مواقفهم دون اللجوء إلى المواجهة أو العدوانية. وهم عادة يقترحون تسويات معينة أو حلول بديلة ويبدون تفهما أفضل لمشاعر الطرف المقابل. وهؤلاء الأطفال قد يكونون أفضل وسيط لحل النزاعات بين الأطفال الآخرين ومساعدة المستضعفين منهم.

إذا كان طفلك يتعرض للمشاكسة

إذا علمت أن طفلك يتعرض للمشاكسة فربما ترغب فورا في حمايته ومواجهة المعتدي عليه. أو ربما تشعر بالإحراج وتتمنى لو يصبح طفلك أقوى ويخوض حلبة الصراع بنفسه ويوقف المعتدي عند حده، أو قد تشعر بالعجز وأنه ليس بوسعك فعل شيء حيال المشكلة. ولكنها جميعا استجابات غير مجدية.

اجمع من طفلك أكبر قدر ممكن من المعلومات حول ما جرى. تجنب إلقاء اللوم على أي طرف، بما فيه الطفل أو الأطفال المشاكسين. تأمل في سلوك طفلك ذاته واسلوب تفاعله مع الآخرين. استغل ما تعرفه عن طفلك وشخصيته وسلوكه لاستثمار الموقف إيجابيا قدر الإمكان.

إذا عزمت على الاتصال بوالدي الطفل المشاكس، تذكر أن موقفهم قد يكون دفاعيا بشكل كبير. لا تدع الهدف يغيب عن بالك: وهو توفير بيئة آمنة تشجع على التعلم والنمو لجميع الأطفال وليس تصعيد موقف صعب سلفا.

أما بالنسبة لطفلك نفسه فعليك أن تناقش معه البدائل المتاحة للتعامل مع المشاكسين ومنها:

  •  ألا يستجيب للمشاكس، أن يتجاهله ويبتعد عنه ويطلب المساعدة إذا أصر على ملاحقته

  •  أن يسيطر على نفسه، يرد على المشاكس قائلا "أنت على حق" ثم يبتعد عنه

  •  أن يواجهه ويتصرف معه بحزم

 

ومن الأساليب النافعة أيضا التلقين والتعلم بالتمثيل: فالتظاهر يؤدي إلى اكتساب المهارة فعلا كما أن تمثيل ردود الأفعال يؤدي إلى اكتسابها حقيقة. استعرض المواقف المختلفة مع طفلك، خذ دور الطفل المشاكس ودع طفلك يمارس الاستجابات وردود الفعل المختلفة تجاهها. ناقش معه أساليب الوقاية الممكنة كالبقاء قرب أطفال آخرين وتجنب أي صلة مع المشاكسين. قل له ألا يتأثر ولا يأخذ المسألة بشكل شخصي، فالمشكلة الحقيقة التي تسبب هذه المواقف هي مشكلة المشاكس وليست مشكلته.

وماذا لو كان طفلك هو المشاكس؟

لعل أشدّ ما يتمنى كل أم وأب ألا يسمعانه عن طفلهما هو : طفلك مشاكس!!

وربما كانت ردة فعلك الأولى هي الإنكار أو الدفاع. ولكن عليك أن تتريث قليلا وتنصت لما يقال إليك بروية وإمعان. بإمكانك أن تقول "بدلا من إلصاق التهم والصفات بابني، ما رأيك أن تروي لي ما جرى بالفعل؟". أرغم نفسك على الإنصات بموضوعية وتذكر أن نتيجة هذا النقاش برمته ستكون في صالح طفلك بغض النظر عن الطريقة التي يتحدث بها الطرف الآخر.

حتى إذا انكشف لك أن طفلك يتصرف بعدوانية أو كمشاكس بالفعل، تذكر أن هذا السلوك ربما كان ناجما عن مشكلة ما يعاني منها طفلك. عليك أن تفتش في تفاعلاته مع الآخرين عما يدور في داخله ويجعله يتصرف بهذه الطريقة.

عندما تتحدث مع طفلك عن الأمر، لا تلق عليه اللوم. لا تخض معه نقاشا حول "لماذا" فعلت كذا وكذا، ركّز نقاشك معه على النقاط الأساسية التالية:

  • استمع اولا الى طفلك وحاول ان تستشعر احاسيسه عندما يتكلم. اعطه فرصة للكلام دون مقاطعه.

  •  وضح له إن المشاكسة ليست سلوكا مقبولا في عائلتنا ولا في مجتمعنا ولا ديننا

  • اعلمه انه عندما يشعر بالغضب أو الإحباط أو العدوانية هناك أمور أخرى يمكنه فعلها (اقترح عليه بعض الأنشطة أو الألعاب لتفريغ الانفعالات). اطلب من طفلك ان يعطي بعض المقترحات لتفريغ غضبه او احباطه بدل من المشاكسة. اذا ما قال لك فكرة، ساعده في البناء عليها وتطويرها. قل له انت ايضا افكارا تساعده. كن واقعيا في افكارك ولا تتوقع منه اكبر من قدراته.

  • مارس معه لعبة تمثيل الأدوار لاكتساب سلوكيات واستجابات جديدة

  • حدّد له بوضوح العواقب التي تنتظره إذا تكرر سلوكه العدواني أو المشاكس مرة أخرى

  • تابع طفلك وكافأه على اي تغيير ايجابي في سلوكه من ناحية المشاكسة.

الوقاية من المشاكسة:

عليك أن تبدأ في تعليم طفلك كيف لا يصبح مشاكسا ولا يسمح للغير بمشاكسته حالما يدخل مرحلة التفاعل مع الآخرين. عليك تعليمه كيفية التعبير عن مشاعره وانفعالاته ورغباته بالكلمات وتحسين سلوكهم في المواقف المثيرة للانفعالات. فمن الصعب على الأطفال ان يتعلموا كيفية حل هذه المشاكل والتعامل معها بأنفسهم ومن واجبنا تعليمهم ذلك.

عندما يبدأ الأطفال الصغار (ما قبل سن المدرسة) بسب الآخرين أو استخدام كلمات غير مهذبة معهم، عليك التدخل فورا ودائماً. وفي سن الحضانة، يتعلم الأطفال دور "الإقصاء" وقوته، ومن ثم نبدأ بسماع عبارات من قبيل "إنه ليس صديقي ولا أريده ان يلعب معي". هنا أيضا عليك التدخل والرد على الطفل بقولك مثلا "قد لا يكون صديقك اليوم ولكن لا يحق لك إيذاء شعوره بإخباره أنه لا يستطيع اللعب معك".

وفي المرحلة الابتدائية المبكرة، يبدأ الأطفال في تكوين الشلل والجماعات التي قد تتسم بالقسوة والإقصاء إزاء الأطفال الآخرين. وهنا يحتاج الطفل لأن يسمع بوضوح من والديه "لا يحق لك معاملة الآخرين بهذا الشكل. كيف تعتقد شعور هذا الطفل عندما ترفض أن يلعب معكم؟". ولا يعني ذلك أن على طفلك أن يلعب مع الجميع أو مثل الجميع، ولكنه يعني بوضوح أن في إقصاء الآخرين ورفضهم قسوة لا ينبغي أن يتصف بها.

وغالبا ما يكون الأطفال الأصغر أو الأضعف بنية أكثر عرضة لمشاكسة الآخرين. ولذلك ينبغي تشخيص أنواع المشاكسة، ومنها السخرية أو التغامز وغيرها، منذ المراحل الأولى من حياة الطفل وصدّه عنها بوضوح لا غبار عليه: هذا التصرف سيء. فكّر في شعوره. فكّر كيف يمكنك ضمّه إلى مجموعتك وجعل الآخرين يستوعبون خطأ معاملة الآخرين بهذا الشكل؟

وتذكّر أن الأطفال الذين هم لا مشاكسين ولا مستضعفين يتمتعون بقدرة هائلة على تشكيل سلوك الأطفال الآخرين. علّم طفلك كيف يدافع عن الأطفال المستضعفين ويتحدث باسمهم، كأن يتدخل قائلاً " لا تعامله بهذه الطريقة، هذا سلوك سيء" أو "الضرب ليس طريقة لحل المشاكل. لنتحدث مع المدرس عمّا جرى ونحل هذه المشكلة معا".